من ذريّة إبراهيم من قبل الأمّ (١).
ولسيّدنا الطباطبائي هنا تحقيق لطيف ، جعل من القول بكون «آزر» والد إبراهيم متنافيا مع ظاهر الكتاب ، فضلا عن منافاته لأصول العقيدة الإسلاميّة في آباء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكونهم موحّدين حتّى آدم عليهالسلام.
وذلك أنّ إبراهيم لمّا آيس من آزر إيمانه هجره ووعده بالاستغفار له : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(٢).
وبالفعل وفى بما وعد : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ)(٣). لكن سرعان ما رجع عمّا كان قد رجا في أبيه خيرا ، ومن ثمّ تبرّأ منه من بعد : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(٤).
هذا في بداية الأمر وقبل مغادرته بلاد شنعار (كلدان ـ العراق) وربما كان في منتصف عمره أي في سنّ الخامسة والسبعين. ولكنّه بعد ما طاف البلاد واتخذ الأرض المقدّسة مهجرا له ورزق بإسماعيل ومن بعده بإسحاق ، فكان ممّا فعله في أخريات حياته أن بنى البيت هو وابنه إسماعيل وربما بلغ من العمر ما يقارب المأة والخمسين ، هنا لك دعا ربّه وقال : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(٥) نراه يعود فيستغفر لوالديه (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٦).
هنا يأتي العلّامة الطباطبائي ليدلي برأيه الأخير ، ويقول : والآية بما لها من السياق والقرائن المحتفّة بها ، خير شاهدة على أنّ والده الذي دعا له واستغفر له هنا ، غير أبيه آزر الذي تبرّأ منه في سالف الأيّام.
إذ لم يكن إبراهيم ممن ينسى أو يتناسى موقف أبيه آزر ـ الذي تبيّن له أنّه عدوّ لله ـ ليعود فيدعو له من جديد ، مع العلم أنّه لم يحصل شيء جديد في موقف آزر العدائي العتيد مع الله سبحانه.
قال العلّامة : فقد تحصّل أنّ آزر الذي جاء ذكره في تلكم الآيات ، لم يكن والد إبراهيم ولا أباه
__________________
(١) التفسير الكبير ١٣ : ٤٠.
(٢) مريم ١٩ : ٤٧.
(٣) الشعراء ٢٦ : ٨٩.
(٤) التوبة ٩ : ١١٤.
(٥) إبراهيم ١٤ : ٣٥.
(٦) إبراهيم ١٤ : ٤١.