فقد تسالم أصحاب هذا القول على أنّ المعنيّ بهذا الخطاب هو والد إبراهيم الحقيقي ، سواء أكان اسمه آزر أو تارح.
وفي قبال ذلك إطباق آراء مفسّري الإماميّة ، وفق أحاديثهم المأثورة المستفيضة بطهارة آباء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، على أنّ المخاطب بهذا الكلام هو عمّ إبراهيم ، وربّما تزوّج بأمّه بعد وفاة والده تارح ، فأصبح إبراهيم ربيبه ، وبذلك صحّ إطلاق الأب عليه. لأنّ الأب أعم من الوالد ، فيطلق على الجدّ للأمّ ، وعلى المربّي والمعلّم والمرشد ، وعلى العمّ أيضا حيث جاء إطلاق الأب عليه في القرآن. فقد حكى الله عن أولاد يعقوب قولهم : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(١). وإسماعيل كان عمّا ليعقوب.
وأنكر الزجّاج أن يكون «آزر» اسم والد إبراهيم. قال الشيخ أبو جعفر الطوسيّ : والذي قاله الزجّاج يقوّي ما قاله أصحابنا : أنّ آزر كان جدّ إبراهيم لأمّه أو كان عمّه ، لأنّ أباه كان مؤمنا ، لأنّه قد ثبت عندهم أنّ آباء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى آدم كلّهم كانوا موحّدين لم يكن فيهم كافر. ولا خلاف بين أصحابنا في هذه المسألة.
[م / ٣٥٢] قال : وأيضا روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «نقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، لم يدنّسني بدنس الجاهليّة». وهذا خبر لا خلاف في صحّته (٢). فبيّن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الله نقله من أصلاب الطاهرين. فلو كان فيهم كافر لما جاز وصفهم بأنّهم طاهرون ، لأنّ الله وصف المشركين بأنّهم أنجاس : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(٣)(٤).
وللإمام الرازي بحث مذيّل وحجج أقامها دعما لما يقوله مفسر والشيعة ، وأخيرا يقول : فثبت بهذه الوجوه أنّ «آزر» ما كان والد إبراهيم عليهالسلام بل كان عمّا له ، والعمّ قد يسمّى بالأب ، كما سمّى أولاد يعقوب إسماعيل أبا ليعقوب.
[م / ٣٥٣] وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بشأن عمّه العبّاس حين أسر : «ردّوا عليّ أبي».
قال : وأيضا يحتمل أنّ «آزر» كان والد أمّ إبراهيم. وهذا قد يقال له الأب ، كما كان عيسى عليهالسلام
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٣٣.
(٢) ورد في تأويل قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء ٢٦ : ٢١٩) بطريق الفريقين أحاديث متظافرة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات». راجع : التفسير الكبير ١٣ : ٣٩ ؛ الدرّ ٦ : ٣٣٢ ؛ مجمع البيان ٦ : ٤٢٦.
(٣) التوبة ٩ : ٢٨.
(٤) التبيان ٤ : ١٧٥.