وللاعتبار أيضا (١).
وعلّل ذلك مسبقا بقوله : وظاهر الآية أنّ النسل البشري ينتهي إلى آدم وزوجته حوّاء ، من غير أن يشاركهما فيه غيرهما ، حيث قوله تعالى : (وَبَثَّ مِنْهُما)(٢) ، ولم يقل : منهما ومن غيرهما.
قال : وبناء عليه كان الازدواج في الطبقة الأولى ـ بعد آدم وزوجته ـ أي في أولادهما بلا واسطة ، إنّما وقع بين الإخوة والأخوات (ازدواج البنين بالبنات). إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومذاك. قال : ولا ضير فيه بعد كونه حكما تشريعيّا يرجع أمره إلى الله وفق ما يراه من مصلحة ، فيجوز أن يباح يوما ويحرّم يوما آخر (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)(٣)(٤).
أنظر كيف رجّح رواية مرسلة فريدة في نوعها ، على سائر الروايات وكادت أن تكون مستفيضة. لا لشيء إلّا لأنّ تلك كانت متوافقة مع ظاهر الكتاب وللاعتبار العقلي أيضا.
على أنّ في تلك الروايات ـ فضلا عن كونها مخالفة لظاهر الكتاب ـ شيئا من نكارة يرفضها العقل وكذا العلم أيضا. إذ كيف يمكن التوالد من تزاوج جنسين؟! ثمّ كيف كان الجمال وصالح الأعمال نابعا من أصل غير بشري؟! وكذا القباحة في المنظر والسلوك ناشئة من خارج إطار اختيار الإنسان بما يرفع عن الإنسان مسؤوليته في الحياة!! كلّ ذلك مخالف لصريح مناهج الكتاب وتعاليمه الحكيمة ، الأمر الذي يحتمّ نبذ تلكم الأخبار وضربها عرض الجدار.
وهكذا اختلفت الأقوال والروايات بشأن والد إبراهيم : آزر أو تارح. وجاء في ظاهر تعبير القرآن : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً)(٥).
[م / ٣٥١] أخرج أبو الشيخ عن الضحّاك في الآية قال : آزر أبو إبراهيم (٦) قال ابن كثير : آزر اسم صنم ، وأبو إبراهيم اسمه تارح. وهكذا قال غير واحد من علماء النسب : إنّ اسمه تارح. قال : كأنّه غلّب عليه آزر : لخدمته ذلك الصنم (٧).
أو لعلّ اسمه الأصلي كان «آزر» بمعنى النشيط ، ولكنهم رأوا منه كسلا وفشلا فلقّبوه بتارح بمعنى الكسول (٨).
__________________
(١) الميزان ٤ : ١٥٧.
(٢) النساء ٤ : ١.
(٣) الرعد ١٣ : ٤١.
(٤) الميزان ٤ : ١٤٥ ـ ١٤٦.
(٥) الأنعام ٦ : ٧٤.
(٦) الدرّ ٣ : ٣٠٠.
(٧) ابن كثير ٢ : ١٥٥.
(٨) على ما أسبقنا الكلام فيه. راجع : كتابنا التمهيد ٧ : ٦٦ ـ ٦٩.