للضابطة نذكر شرائط ثلاثة :
وأوّل شرائط صحّة التأويل : أن يكون على طريقة السّبر والتقسيم بإعفاء الملابسات غير الدخيلة في هدف الكلام الأصل ، وإبقاء ما كان دخيلا في صلب الموضوع ، وبذلك يستخلص ذلك الفحوى العامّ للآية والذي تستهدفه في اتّجاهها العامّ (١). وبذلك تحتفظ المناسبة القريبة بين هذا البطن المستخرج من الكلام وظهره المستفاد حسب ظاهر التنزيل وإلّا كان أجنبيّا عنه ولا دلالة عليه إطلاقا ويكون تحميلا عليه.
فكلّ بيان قدّم بعنوان بطن الآية أو تأويلها وكان اعتباطا غير مستخرج بطريقة منطقيّة ، كان من التفسير بالرأي بلا كلام.
الشرط الثّاني : رعاية الدقّة الكاملة في معرفة ملابسات الكلام ، أيّها دخيلة في اتّجاه الكلام فتبقى وأيّها غير دخيلة فتعفى ، وهو شرط خطير قلّ من يسترعيه.
الشرط الأخير ـ وهو بيت القصيد وبه تطرد الدخائل على علّاتها أجمع ـ : أن يصبح هذا الفحوى العامّ المستخرج بعد التمحيص والتحقيق ، بمثابة كبرى كلّيّة لما دلّ عليه ظاهر الكلام ، ويكون البطن المستخلص (المعنى التأويلي) كلّيّا منطبقا على ظاهر التنزيل. وبعبارة أخرى : يكون مجموع الظهر والبطن بمنزلة استدلال منطقي ، كان الفحوى العامّ بمثابة كبرى كلّيّة مستندا إليها انطباقا على صغراها التي هي مورد التنزيل.
ففي آية السؤال ـ مثلا ـ كان مفاد مجموع الكلام : أنّ على المشركين ـ حيث موضع جهلهم بأصول النبوّات ـ أن يتساءلوا مع جيرانهم اليهود وهم أهل علم وكتاب. لأنّ على كلّ جاهل أن يراجع العلماء فيما جهله ، وهي قاعدة كلّيّة مقبولة لدى العقل والشرع ، طبّقها الله تعالى ـ في ذكره الحكيم ـ بشأن مورد تنزيل الآية بالذات.
وهذا هو المقصود من توافق التأويل مع التنزيل توافق العامّ مع خاصّه. فلم يكن البطن أجنبيّا عن الظهر بل متناسبا معه ومدلولا عليه بدلالة التزاميّة مطويّة للكلام. وما يعقلها إلّا العالمون.
__________________
(١) مثلا : لم يكن المشركون بما أنّهم مشركون محطّ النظر ، بل بما أنّهم جاهلون. وكذلك لم يكن أهل الكتاب بما أنّهم أهل كتاب محطّ نظر ، بل بما أنّهم أهل علم ودراية بالنسبة إلى ما لا يعرفه المشركون. وأيضا فإنّ مورد السؤال وهو أمر النبوّة وهل تصحّ لبشر ، ملحوظا بالخصوص ، بل كلّ ما لا يعرفه الجاهلون. فيستخلص من ذلك : إنّ الجاهل بأيّ شأن من شؤون الدّين ، فعليه مراجعة ذوي العلم في ذلك.