وبذلك صرّح الإمام الشاطبي باشتراط كون البطن جاريا على مقتضى الظاهر المقرّر في لسان العرب بحيث يجري على المقاصد العربيّة. أي جاريا على مقتضى أساليبهم في مداليل الكلام ، فلا يكون اعتباطا نابيا عن الظاهر يرفضه رفضا.
وأضاف شرطا آخر : أن يكون له شاهد من الكتاب ذاته (١).
[م / ٣١] «فإنّ القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض» ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
وإليك جانبا من كلامه أورده تفصيلا بهذا الشأن (٣).
أكّد الإمام أبو إسحاق الشاطبي : على ضرورة وجود المناسبة القريبة بين التنزيل والتأويل. وفي ذلك :
[م / ٣٢] روى عن الحسن البصري ـ فيما أرسله عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «ما أنزل الله آية إلّا ولها ظهر وبطن ـ بمعنى : ظاهر وباطن ـ وكلّ حرف حدّ وكلّ حدّ مطلع» (٤).
وفسّر بأنّ الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة ، والبطن هو الفهم عن الله لمراده. قال : وحاصل هذا الكلام أنّ المراد بالظاهر هو المفهوم العربي ، والباطن هو مراد الله تعالى (٥) من كلامه وخطابه.
ثمّ أخذ في شرح ذلك ، قائلا : فكلّ ما كان من المعاني العربيّة التي لا ينبني فهم القرآن إلّا عليها فهو داخل تحت الظاهر. فالمسائل البيانيّة والمنازع البلاغيّة لا معدل بها عن ظاهر القرآن.
وكلّ ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبوديّة والإقرار لله بالربوبيّة ، فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله.
قال : كون الظاهر هو المفهوم العربيّ مجرّدا لا إشكال فيه ، لأنّ المؤالف والمخالف اتّفقوا على
__________________
(١) راجع : الموافقات ٣ : ٣٩٤.
(٢) نهج البلاغة ٢ : ١٧. الخطبة ١٣٣.
(٣) نورد كلامه بطوله متواصلا ومتقطّعا حيث أفاد وحقّق وأجاد ، وسنعقّبه بما فيه النظر. راجع : الموافقات ٣ : ٣٨٢ ـ ٤٠٦ ، المسالة الثامنة حتّى العاشرة.
(٤) ذكر الشيخ عبد الله دراز ـ في الهامش ـ : أنّ هذا الحديث رواه صاحب المصابيح عن ابن مسعود : «أنزل القرآن على سبعة أحرف. لكلّ آية منها ظهر وبطن ولكلّ حدّ مطلع». وفي روح المعاني في مقدّمة التفسير : «ولكلّ حرف حدّ ولكلّ حدّ مطلع». (هامش الموافقات ٣ : ٣٨٢).
(٥) أي الذي يتوصّل إليه بالوسائل المعهودة لمعرفة حقيقة المراد ، على ما أشار إليه المؤلّف في فصل سابق (الموافقات ٣ : ٣٧٥ ، المسألة السابعة).