أنّه منزل بلسان عربيّ مبين.
قال : وكون الباطن هو المراد من الخطاب قد ظهر وتبيّن ، ولكن يشترط فيه شرطان : أحدهما : أن يصحّ على مقتضى الظاهر المقرّر في لسان العرب ويجري على المقاصد العربيّة.
الثاني : أن يكون له شاهد نصّا أو ظاهرا في محلّ آخر يشهد لصحّته من غير معارض.
فأمّا الأوّل فظاهر من قاعدة كون القرآن عربيّا ؛ فإنّه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب (١) لم يوصف بكونه عربيّا بإطلاق. ولأنّه مفهوم يلصق بالقرآن (٢) ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدلّ عليه ، وما كان كذلك فلا يصحّ أن ينسب إليه أصلا. وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم من قال في كتاب الله بغير علم.
وأمّا الثاني فلأنّه إن لم يكن له شاهد في محلّ آخر أو كان له معارض ، صار من جملة الدّعاوي التي تدّعى على القرآن ، والدعوى المجرّدة غير مقبولة باتّفاق.
وبهذين الشرطين يتبيّن صحّة ما ذكره بعض السلف أنّه من الباطن (٣) لأنّهما موفّران فيه ، بخلاف ما فسّر به الباطنيّة ؛ فإنّه ليس من علم الباطن ، كما أنّه ليس من علم الظاهر.
ثمّ أخذ في تعداد بعض الأمثلة للتأويل الباطل فيما زعمه الباطنيّة أنّه من الباطن : فقد قالوا في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(٤) : إنّه الإمام ورث النبيّ علمه. وقالوا في الجنابة : إنّ معناها : مبادرة المستجيب بإفشاء السرّ إليه قبل أن ينال رتبة الاستحقاق. ومعنى الغسل : تجديد العهد على من فعل ذلك. ومعنى الطهور : هو التبرّي والتنظّف من اعتقاد كلّ مذهب سوى متابعة الإمام. والتيمّم : الأخذ من المأذون إلى أن يشاهد الداعي أو الإمام. والصيام : الإمساك عن كشف السرّ. والكعبة : النبيّ. والباب : عليّ. والصفا : هو النبيّ. والمروة : عليّ. والتلبية : إجابة الداعي. والطواف سبعا : هو الطواف بمحمّد إلى تمام الأئمّة السبعة. والصلوات الخمس : أدلّة على الأصول الأربعة وعلى الإمام. ونار إبراهيم : هو غضب نمرود لا النار الحقيقيّة. وذبح إسماعيل (٥) : هو أخذ العهد
__________________
(١) هذا إشارة إلى ما نبّهنا عليه من ضرورة كون البطن مفهوما من الكلام ذاته ، وإن كان بدلالة التزاميّة خفيّة (غير بيّنة) أصبحت جليّة بفضل التدبّر وتعميق النظر. غير أنّها تعود إلى اللفظ وليس مجرّد اعتباط.
(٢) أي تحميل على القرآن وليس من دلالة ذاته في شيء.
(٣) سيأتي بعض الأمثلة لذلك.
(٤) النمل ٢٧ : ١٦.
(٥) ذكر المصنّف هنا إسحاق بدل إسماعيل. وهو مذهب أهل الكتاب وتبعهم من المسلمين من لا تحقيق له.