منعطفا عن النهج السّويّ في مسيرة الحياة ، لأنّهم ، بشراشر وجودهم ، آمنون ومطمئنّون في كنف ولايته تعالى ، مستريحون في ظلّ عنايته عبر الأبد.
هذا ما يبتغيه كلّ مؤمن ، صادق في إيمانه ، مصرّا عليه آنات ليله ونهاره ، من نبيّ كريم ، ووليّ عظيم ، ومؤمن خالص العبوديّة لله ربّ العالمين.
قال المحقق الفيض الكاشاني قدسسره : لمّا كان العبد محتاجا إلى الهداية في جميع أموره ، آنا فآنا ولحظة فلحظة ، فإدامة الهداية هي هداية أخرى بعد الهداية الأولى.
فتفسير [طلب] الهداية ب [طلب] إدامتها ، ليس خروجا عن ظاهر اللفظ (١).
وعليه فالمبتغى في هذه الآية هو : شمول عنايته تعالى الخاصّة بعباده المؤمنين ، وتداومها مع مسيرة الحياة إلى الأبد ، حيث دار الرضوان ، (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٢). (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ)(٣).
وقد وردت روايات في تفسير الصراط المستقيم ـ هنا ـ بما يلتئم وما ذكرناه من معنى :
[١ / ٥٢٣] روى الصدوق ـ فيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل ـ عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه قال : «(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) استرشاد لدينه ، واعتصام بحبله ، واستزادة في المعرفة لربّه عزوجل ولعظمته وكبريائه» (٤).
[١ / ٥٢٤] وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وكذا عن أبيّ بن كعب في معنى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ :) أي ثبّتنا (٥). ومعنى «ثبّتنا» : أقمها وأدمها. (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(٦).
[١ / ٥٢٥] وعن السدّي ومقاتل : أرشدنا.
[١ / ٥٢٦] وعن الضحّاك : ألهمنا. وبعضهم قال : بيّن لنا.
قال الشيخ أبو الفتوح الرازي : والمعاني متقاربة. والجميع يرجع إلى ما ذكرناه في تفسير
__________________
(١) الصافي ١ : ١٢٦.
(٢) التوبة ٩ : ٧٢.
(٣) الحديد ٥٧ : ٢٧.
(٤) الفقيه ١ : ٣١٠ / ٩٢٦.
(٥) أبو الفتوح ١ : ٨٤.
(٦) فصّلت ٤١ : ٣٠ ـ ٣٢.