توضيحا وما شاكل. كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ـ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ـ وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ)(١). فإنّ الجملة المعترضة هنا ، كانت لإيفاد معنى التحسّر في كلامها ، وأنّها لم ترد الإخبار. إذ لا موضع لتحسّرها بعد أن كانت الأنثى التي منحت بها ، هي أفضل من الذكر الذي كان بحسبانها.
إذن فليست الجمل المعترضة اعتباطا في الكلام ، لا رابط بينها وبين مكتنفاتها.
وعليه فلو قلنا بأنّ هذه الآيات الأربع ـ من سورة القيامة ـ سياقها سياق الآية من سورة طه ، في النهي عن العجلة بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه. فلا بدّ أن نلتزم بأنّها أقحمت هنا إقحاما ومن غير ترابط بينها وبين مكتنفاتها. إذ السورة في سياقها بعد هذه الآيات الأربع تعود إلى سياقها الأوّل تماما.
فضلا عن عدم تناسب استعمال لفظة «كلّا» مرّتين بعد هنّ.
ومن غريب الأمر : أنّ الزمخشري ـ على جلالته واعتلاء مقامه الأدبي والعلمي ـ يجعل «كلّا» ـ الأولى ـ ردعا للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن عادة العجلة وإنكارا لها عليه!
هذا ولا سيّما مع قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)(٢) تذييلا لكلّا!
قال : فإن قلت : كيف اتّصل قوله (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) بذكر القيامة؟ قلت : اتّصاله به من جهة هذا ، للتخلّص منه إلى التوبيخ بحبّ العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة (٣). تعليل أغرب!!
ونقل الإمام الرازي عن القفّال (٤) : أنّ قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) ليس خطابا مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بل خطاب مع الإنسان المذكور في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ)(٥) ، فكان ذلك للإنسان حال ما ينبّأ بقبائح أفعاله ، وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(٦). فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدّة الخوف وسرعة القراءة ، فيقال له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٣٦.
(٢) القيامة ٧٥ : ٢٠ ـ ٢١.
(٣) الكشّاف ٤ : ٦٦٢.
(٤) هو : أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله ، المعروف بالقفّال المروزي ، الفقيه الشافعي ، كان وحيد زمانه فقها وحفظا ، له في مذهب الإمام الشافعي من الآثار ما ليس لغيره من أبناء عصره. وتخاريجه كلّها جيّدة وإلزاماته مقبولة. تتلمّذ على يديه جماعة من أكابر العلماء ، منهم الشيخ أبو محمّد الجويني والد إمام الحرمين. توفّي سنة ٤١٧ وقد بلغ التسعين. (ابن خلكان ٣ : ٤٦ / ٣٣١).
(٥) القيامة ٧٥ : ١٣.
(٦) الإسراء ١٧ : ١٤.