كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.)
[م / ٨٢] روى الإمام مالك ـ في الموطّأ ـ بإسناده إلى عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة ، قالت : كانت فيما أنزل من القرآن : «عشر رضعات معلومات يحرّمن» ثمّ نسخن بخمس معلومات. فتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن (١).
وهكذا روى مسلم في صحيحه عن طريق مالك وعن طريق يحيى بن سعيد (٢).
قولها : «فتوفّي رسول الله وهنّ فيما يقرأ من القرآن». تعني : أنّ الآيتين ، الناسخة والمنسوخة ، كلتيهما كانتا مثبتتين في المصحف الشريف ، وكان المسلمون يتلونهما حتّى ما بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو قصيرا لأنّها قالت : لقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن البيت فأكلها (٣).
وهذا منها وهم أو من الراوي ، لأنّ الآية إذا كانت مثبتة في المصحف ويقرأها المسلمون ، فلا يمكن ذهابها باقتيات سخلة هي في بيت عائشة ، فما شأن سائر الصحف عند المسلمين والمحتفظ في صدورهم يرتّلونه ترتيلا؟!
قال الزيعلي ـ تعليقا على رواية مسلم ـ : لا حجّة في هذا الحديث ، لأنّ عائشة أحالتها على أنّه قرآن. وقد ثبت أنّه ليس من القرآن ، لعدم التواتر ، ولا تحلّ القراءة به ولا إثباته في المصحف ، ولأنّه لو كان قرآنا لكان متلوّا اليوم. إذ لا نسخ بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قلت : ومن ثمّ ترك البخاري روايته ، وكذا أحمد في مسنده ، نظرا لغرابته الشائنة. فمن الغريب ما ذكره ابن حزم بشأن هذه الرواية ورواية رجم الشيخ والشيخة ـ حسبما تأتي ـ قال : وهذان خبران في غاية الصحّة وجلالة الرواة وثقتهم ، ولا يسع أحدا الخروج عنهما. واعتذر بأنّه مما بطل أن يكتب في المصاحف وبقي حكمه كآية الرجم سواء بسواء (٤).
وذكر بعضهم : أنّه من منسوخ التلاوة بالإنساء من الصدور والإمحاء من الصحائف (٥). لكن هل
__________________
(١) الموطّأ ٢ : ٦٠٨ / ١٧ ؛ تنوير الحوالك في شرح الموطّأ ، للسيوطي ٢ : ١١٨ ، آخر كتاب الرضاع.
(٢) مسلم ٤ : ١٦٧ ؛ الدارمي ٢ : ١٥٧ ؛ أبو داوود ١ : ٤٥٨ / ٢٠٦٢ ، باب ١١.
(٣) ذكره الزيعلي بهامش مسلم.
(٤) المحلّى ١٠ : ١٤ و ١٦.
(٥) راجع : نكت الانتصار ـ للقاضي أبي بكر البلاقلاني : ٩٥ ـ ١٠٨. وأصول السرخسي ٢ : ٨٠.