ورقابة مكتوباتهم الموجودة عند الرسول وكتّاب الوحي وسائر المسلمين ، جملة وأبعاضا وسورا. فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفال العظيم بين المسلمين جيلا بعد جيل ، ترى له في كلّ آن ألوفا مؤلّفة من المصاحف ، وألوفا من الحفّاظ ، ولا تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض ، والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض ، ويسمع بعضهم من بعض. تكون ألوف المصاحف رقيبة على الحفّاظ ، وألوف الحفّاظ رقباء على المصاحف ، وتكون الألوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدّد منهما. نقول : الألوف ، ولكنّها مئآت الألوف وألوف الألوف. فلم يتّفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء مثل ما اتّفق للقرآن الكريم ، كما وعد الله جلّت آلاؤه بقوله في سورة الحجر : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١).
قال : ولئن سمعت في الروايات الشاذّة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لها وزنا ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها لإجماع المسلمين ، وفيما جاءت به في مرويّاتها الواهية من الوهن ، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شبه به (٢).
وأمّا ما استند إليه الشرذمة الأخباريّة ـ ويترأّسهم السيّد نعمة الله الجزائري (٣) ، وسار على أثره الشيخ ميرزا حسين النوري (٤) في تهريج عارم ، فهي روايات شاذّة ، أكثرها مراسيل وأخرى مجاهيل أو ضعاف ، ليس لها أصل متين ولا قرار مكين. على ما فصّلنا الكلام فيها في كتابنا «صيانة القرآن من التحريف» (الجزء الثامن من التمهيد).
ومن أهمّ ما استند إليه الجزائري (٥) ، هي رواية مرسلة لا إسناد لها ، ذكرها صاحب كتاب الاحتجاج ـ ولم يعرف لحدّ الآن ـ :
[م / ٨٧] أنّه سئل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام عن التناسب في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٦)؟ فقال ـ فيما فرضه الراوي ـ : «إنّ
__________________
(١) الحجر ١٥ : ٩.
(٢) راجع : آلاء الرحمان : ١٧ ـ ١٨ ، في المقدّمة ، الفصل الثاني في جمعه.
(٣) توفّي سنة ١١١٢ ق.
(٤) توفّي سنة ١٣٢٥ ق.
(٥) في كتابه منبع الحياة : ٦٨ ـ ٧٠ ، ط بغداد. و ٦٦ ـ ٦٩ من طبعة بيروت.
(٦) النساء ٤ : ٣.