تواجد الشروط.
إنّما الكلام في اعتبار ذلك حديثا مسندا ومرفوعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنظر إلى كونه الأصل في تربيتهم وتعليمهم ، أو أنّه استنباط منهم بالذات ، لمكان علمهم وسعة اطّلاعهم ، فربما أخطأوا في الاجتهاد ، وإن كانت إصابتهم في الرأي أرجح في النظر الصحيح.
الأمر الذي فصّل القوم فيه (١) ، بين ما إذا كان للرأي والنظر مدخل فيه ، فهذا موقوف على الصحابي ، لا يصحّ إسناده إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وما إذا لم يكن كذلك ، ممّا لا سبيل إلى العلم به إلّا عن طريق الوحي ، فهو حديث مرفوع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا محالة ؛ وذلك لموضع عدالة الصحابي ووثاقته في الدين ، فلا يخبر عمّا لا طريق للحسّ إليه ، إلّا إذا كان قد أخبره ذو علم عليم صادق أمين.
[م / ٨٩] قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وقد سئل عن منابع علمه الغزير : «وإنّما هو تعلّم من ذي علم ، علم علّمه الله نبيّه فعلّمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطمّ عليه جوانحي» (٢).
وعلى أيّ حال ، فإنّ التفسير المأثور عن صحابي جليل ـ إذا صحّ الطريق إليه ـ فإنّ له اعتباره الخاصّ. فإمّا أن يكون قد أخذه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو الأكثر ، فيما لا يرجع إلى مشاهدات حاضرة أو فهم الأوضاع اللغويّة أو ما يرجع إلى آداب ورسوم كانت رائجة وأشباه ذلك ، فإن كان لا يرجع إلى شيء من ذلك ، فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّه مستند إلى علم تعلّمه من ذي علم. هذا ما يقتضيه مقام إيمانه الذي يحجزه عن القول الجزاف.
وإلّا فهو موقوف عليه ومستند إلى فهمه الخاصّ. ولا ريب أنّه أقرب فهما إلى معاني القرآن ، من الذي ابتعد عن لمس أعتاب الوحي والرسالة ، وحتّى عن إمكان معرفة لغة الأوائل ، وعادات كانت جارية حينذاك!
وهكذا صرّح العلّامة الناقد الخبير السيّد رضيّ الدين ابن طاووس بشأن العلماء من صحابة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هم أقرب علما بنزول القرآن (٣).
قال الإمام بدر الدين الزركشيّ : لطالب التفسير مآخذ كثيرة ، أمّهاتها أربعة : الأوّل : النقل عن
__________________
(١) نبّه على ذلك الحاكم في مستدركه ٢ : ٢٥٨ و ٢٦٣ وفي كتابه الذي وضعه لمعرفة علوم الحديث : ١٩ ـ ٢٠. وراجع : تدريب الراوي ١ : ١٩٣.
(٢) نهج البلاغة ٢ : ١٠ ـ ١١ ، الخطبة ١٢٨.
(٣) في كتابه القيّم «سعد السعود» : ١٧٤ وقد عالج فيه نقد أكثر من سبعين كتابا في تفسير القرآن كانت في متناوله ذلك العهد. (توفّي سنة ٦٦٤ ه).