السماء الرابعة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يجيء يوم القيامة صفا وحده. وقال مجاهد وقتادة وأبو صالح : الروح خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفا والملائكة صفا ، هؤلاء جند وهؤلاء جند.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم. وقال الحسن : هو بنو آدم (١). ورواه قتادة عن ابن عباس ، وقال : هذا مما كان يكتمه ابن عباس (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) قال الشعبي : هما سماطا رب العالمين ، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة. (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) ، في الدنيا ، أي حقا. وقيل : قال : لا إله إلا الله.
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) ، الكائن الواقع يعني يوم القيامة ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ، مرجعا وسبيلا بطاعته ، أي فمن شاء رجع إلى الله بطاعته.
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) ، يعني العذاب في الآخرة ، وكل ما هو آت قريب. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ، أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتا (٢) في صحيفته ، (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
قال عبد الله بن عمرو : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشر الدواب والبهائم والوحوش ، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها ، فإذا فرغ من القصاص قيل لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا. ومثله عن مجاهد ، وقال مقاتل : يجمع الله الوحوش والبهائم والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول لهم : إنما خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم ، فارجعوا إلى الذي كنتم كونوا ترابا فإذا التفت الكافر إلى من صار ترابا يتمنى ، فيقول : يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنزير (٣) وكنت اليوم ترابا.
وعن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان قال : إذا قضى الله بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودوا ترابا [فيعودون ترابا](٤) فحينئذ يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا. وبه قال الليث بن أبي سليم (٥) مؤمنو الجن يعودون ترابا.
وقيل : إن الكافر هاهنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم أنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة ، وما هو فيه من الشدة والعذاب ، قال [إبليس] : (٦) يا ليتني كنت ترابا. قال أبو هريرة فيقول : التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلي؟ (٧)
__________________
(١) في المخطوط «مبينا».
(٢) في المطبوع «شيء».
(٣) هذه الآثار جميعا ليست بشيء ، والصحيح القول الأول عن الشعبي والضحاك ، ويدل عليه قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا).
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) تصحف في المطبوع «ثليم».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) هذا من غرائب مقاتل ومناكيره ، وليس بشيء.