عبد المطلب وأبي بن خلف ، وأخاه أمية يدعوهم إلى الله ، يرجو إسلامهم ، فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة ، فعبس وجهه وأعرض عنه. وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله هذه الآيات ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك يكرمه (١) ، وإذا رآه قال : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ، ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال أنس بن مالك : فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء.
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) ، يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك ، وقال ابن زيد : يسلم.
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥))
(أَوْ يَذَّكَّرُ) ، يتعظ ، (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) ، الموعظة قرأ عاصم (فتنفعه) بنصب العين على جواب لعل بالفاء وقراءة العامة بالرفع نسقا على قوله : (يَذَّكَّرُ).
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥) ، قال ابن عباس عن الله وعن الإيمان بما له من المال.
(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦) ، تتعرض له وتقبل عليه وتصغي إلى كلامه ، قرأ أهل الحجاز (تَصَدَّى) بتشديد الصاد ، على الإدغام أي تتصدى ، وقرأ الآخرون بتخفيف الصاد على الحذف.
(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧) ، أن لا يؤمن ولا يهتدي ، إن عليك إلا البلاغ.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) (٨) ، يمشي يعني ابن أم مكتوم.
(وَهُوَ يَخْشى) (٩) ، الله عزوجل.
(فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠) ، تتشاغل وتعرض عنه.
(كَلَّا) ، زجر أي لا تفعل بعدها مثلها ، (إِنَّها) ، يعني هذه الموعظة. وقال مقاتل : آيات القرآن. (تَذْكِرَةٌ) ، موعظة وتذكير للخلق.
(فَمَنْ شاءَ) ، من عباد الله (ذَكَرَهُ) ، أي اتعظ به. وقال مقاتل : فمن شاء الله ذكره وفهمه واتعظ بمشيئته وتفهيمه ، والهاء في (ذَكَرَهُ) راجعة إلى القرآن والتنزيل والوعظ. ثم أخبر عن جلالته عنده فقال :
(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (١٣) ، يعني اللوح المحفوظ. وقيل : كتب الأنبياء ، دليله قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) [الأعلى : ١٨ و ١٩].
__________________
ـ فالحديث حسن أو صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
ـ وانظر «الكشاف» ١٢٦٨ و «أحكام القرآن» ٢٢٦٣ بتخريجي ، والله الموفق.
(١) تصحف في المطبوع «يكرهه».