ومعنى الآية : غلبت على قلوبهم المعاصي وأحاطت بها. قال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب. قال ابن عباس : ران على قلوبهم طبع عليها.
(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠))
(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) ، (كلا) يريد لا يصدقون ، ثم استأنف فقال : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) ، قال بعضهم : عن كرامته ورحمته ممنوعون. وقال قتادة : هو ألا ينظر إليهم ولا يزكيهم. وقال أكثر المفسرين : عن رؤيته. قال الحسن : لو علم الزاهدون العابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا. قال الحسين بن الفضل كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وسئل مالك عن هذه الآية فقال : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي (١) رضي الله عنه في قوله : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) : دلالة على أن أولياء الله يرون الله عيانا ، ثم أخبر أن الكفار مع كونهم محجوبين عن الله يدخلون النار فقال :
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) (١٦) ،. لداخلو النار.
(ثُمَّ يُقالُ) ، أي تقول لهم الخزنة ، (هذَا) ، أي هذا العذاب ، (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
(كَلَّا) ، قال مقاتل : لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه ، ثم بين محل كتاب الأبرار فقال : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ).
[٢٣٢٠] روينا عن البراء مرفوعا : «أن عليين في السماء السابعة تحت العرش». وقال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه ، وقال كعب وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى. وقال [عطاء عن](٢)(٣) ابن عباس : هو الجنة. وقال الضحاك : سدرة المنتهى ، وقال بعض أهل المعاني علو بعد علو وشرف بعد شرف ، ولذلك جمعت بالياء والنون. وقال الفراء : هو اسم موضوع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه مثل عشرين وثلاثين.
(وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٢٠) ، ليس هذا بتفسير عليين هو بيان الكتاب المذكور في قوله : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) ، أي مكتوب أعمالهم كما ذكرنا في كتاب الفجار ، وقيل : كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة ، وهو معنى قول مقاتل ، وقيل : رقم لهم بخير وتقدير الآية على التقديم والتأخير مجازها : إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين ، وهو محل الملائكة ، ومثله كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين ، وهو محل إبليس وجنده.
(يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧))
__________________
[٢٣٢٠] ـ تقدم قبل حديثين ، وهو ضعيف.
(١) زيد في المطبوع «قال ابن عباس».
(٢) تصحف في المخطوط «الشعبي».
(٣) زيد في المطبوع.