ثم فسره قال : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣) ، أي المضيء المنير ، قال مجاهد : المتوهج ، قال ابن زيد : أراد به الثريا ، والعرب تسميه النجم. وقيل : هو زحل سمي بذلك لارتفاعه ، [تقول العرب للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا](١) : قد ثقب.
(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) ، جواب القسم ، (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة (لَمَّا) بالتشديد يعنون ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وهي لغة هذيل يجعلون (لما) بمنزلة (إلا) يقولون : نشدتك الله لما قمت ، أي إلا قمت ، وقرأ الآخرون بالتخفيف جعلوا ما صلة ، مجازه : إن كل نفس لعليها حافظ ، وتأويل الآية : كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر. قال ابن عباس : هم الحفظة من الملائكة. قال الكلبي : حافظ من الله يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ، ثم يخلى عنها.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) (٥) ، أي فليتفكر من أي شيء خلقه ربه ، أي فلينظر نظر المتفكر.
ثم بين فقال : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦) ، مدفوق أي مصبوب في الرحم ، وهو المني ، فاعل بمعنى مفعول كقوله : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [القارعة : ٧ والحاقة : ٢١] ، والدفق الصب وأراد ماء الرجل وماء المرأة لأن الولد مخلوق منهما ، وجعله واحدا لامتزاجهما.
(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧) ، يعني صلب الرجل وترائب المرأة والترائب جمع التربية وهي عظام الصدر والنحر.
قال ابن عباس : هي موضع القلادة من الصدر. وروى الوالبي عنه : بين ثديي المرأة. وقال قتادة : النحر : وقال ابن زيد : الصدر.
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨) ، قال مجاهد : على رد النطفة في الإحليل. وقال عكرمة : على رد الماء في الصلب الذي خرج منه. وقال الضحاك : إنه على رد الإنسان ماء كما كان من قبل لقادر.
وقال مقاتل بن حيان : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة.
وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج.
وقال قتادة : إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر. وهذا أولى الأقاويل.
لقوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) ، وذلك يوم القيامة تبلى السرائر تظهر الخفايا. قال قتادة ومقاتل : تختبر الأعمال. قال عطاء بن أبي رباح : السرائر فرائض الأعمال ، كالصوم والصلاة والوضوء والاغتسال من الجنابة ، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد ، فلو شاء العبد لقال : صمت ولم يصم ، وصليت ولم يصل ، واغتسلت ولم يغتسل ، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيّعها.
قال ابن عمر : بيدي الله عزوجل يوم القيامة كل سر فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه ، يعني من أداها كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه أغبر.
(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))
__________________
(١) سقط من المخطوط.