فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون (١) إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس من كفر بالله ، فقالت بنت فرعون : وهل لك من إله غير أبي؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له ، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له ، فأرسل إليها فسألها عن ذلك ، فقالت : صدقت ، فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك ، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب ، وقال لها : اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين ، فقالت له : ولو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت بالله ، وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قرب منها ، وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على قلبك ، وكانت رضيعا ، فقالت : لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله عزوجل ، فأتى بابنتها الصغرى فلما اضطجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالا ، فقالت : يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتا في الجنة ، اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته ، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله الجنة.
قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا ، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون ، فلما رأيا ذلك انصرفا ، فقال حزقيل : اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر على أحد فأيما هذان الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله ، وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجّل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار ، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن ، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رءوس الملإ ، فقال له فرعون : وهل كان معك غيرك؟ قال : نعم فلان ، فدعا به فقال : أحق ما يقول هذا؟ قال : لا ما رأيت مما قال شيئا فأعطاه فرعون وأجزل وأما الآخر فقتله ، ثم صلبه ، قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة ، فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وهو كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها ، فقالت : يا فرعون أنت شر (٢) الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها ، قال : فلعلّ بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون ، وإن إلهي وإلهك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له ، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما ، فقال لهما : ألا تريان أن الجنون كان بالماشطة أصابها ، قالت : أعوذ بالله من ذلك إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له ، فقال أبوها : يا آسية ألست من خير نساء العالمين (٣) وزوجك إله العالمين (٤)؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك ، إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوجني تاجا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله ، فقال لهما فرعون : اخرجا عني ، فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون ، فعند ذلك قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم : ١١] ، فقبض الله روحها وأسكنها الجنة.
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع «أشر».
(٣) في المطبوع وط «العماليق» والمثبت عن المخطوطتين.
وفرعون ليس من العماليق أصلا.
(٤) في المطبوع وط «العماليق» والمثبت عن المخطوطتين.