والمعنى : أن الله عزوجل ينهي المؤمنين أن يكونوا في صحبة (١) القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر. روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم (٢). (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
وقوله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) ، قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي المؤمنين والمؤمنات ، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد ، (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، بالصدقة والنفقة في سبيل الله عزوجل : (يُضاعَفُ لَهُمْ) ، ذلك القرض (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، ثواب حسن وهو الجنة.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ، والصديق الكثير الصدق ، قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق وتلا هذه الآية.
قال الضحاك : هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته.
(وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، اختلفوا في نظم هذه الآية منهم من قال : هي متصلة بما قبلها والواو واو النسق ، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين. وقال الضحاك : هم الذين سميناهم. وقال مجاهد : كل مؤمن صديق شهيد ، وتلا هذه الآية. وقال قوم : تم الكلام عند قوله : (هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ثم ابتدأ فقال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، [قالوا](٣) والواو واو الاستئناف ، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة ، ثم اختلفوا فيهم فقال قوم هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مقاتل بن حيان. وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، بما عملوا من العمل الصالح ، (وَنُورُهُمْ) ، على الصراط (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
قوله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ، أي أن الحياة الدنيا ، و (ما) صلة أي إن الحياة في هذه
__________________
(١) في المطبوع «صحة» والمثبت عن المخطوط.
(٢) تقدم هذا الأثر.
(٣) زيادة عن المخطوط.