الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك [الغداة](١) عظيما ، فقال : ويحك إنها النبوة ، قال : نعم إذا ، فقلت : الحق الآن بقومك فحذرهم.
فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، قالوا : فمه؟ قال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا : ويحك وما تغني عنّا دارك؟ قال : ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ، قال : وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمر الظهران فأسلما وبايعاه ، فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام ، ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند النبي صلىاللهعليهوسلم عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار ، وأمره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون ، وقال : «لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك» ومن ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة وضربت هناك قبته.
وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من قضاعة وبني سليم أن يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناة ومن كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة ، وإن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، وكانوا قد جمعوا أناسا بالخندمة ليقاتلوا ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم لخالد والزبير حين بعثهما : «لا تقاتلا إلا من قاتلكم» وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى ، فقال سعد حين توجه داخلا : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة ، فسمعها رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة ، وما نأمن أن يكون له في قريش صولة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي بن أبي طالب : «أدركه فخذ الراية منه ، فكن أنت الذي تدخل بها» فلم يكن (٢) بأعلى [مكة] من قبل الزبير (٣) قتال ، وأما خالد بن الوليد فتقدم على قريش وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة ، فقاتلهم فهزمهم الله ، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك.
وقتل من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له : سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ، ورجلان يقال لهما : كرز بن جابر وخنيس بن خالد كانا في خيل خالد بن الوليد ، فشذّا عنه وسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم ، إلا في نفر سماهم أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم :
عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسلم فارتد مشركا ، ففرّ إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن اطمأن أهل مكة ، فاستأمن له ،.
وعبد الله بن خطل كان رجلا من بني تميم بن غالب ، وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصدقا ، وكان له مولى يخدمه وكان مسلما ، فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا ، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمر بقتلهما معه.
والحويرث بن نقيد بن وهب كان ممن يؤذيه بمكة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المطبوع «يا علي».
(٣) زيادة عن المخطوط.