أبو العالية ، لقوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي إلى ما قالوا أي أعادوه مرة أخرى فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه ، وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار والمراد من العود هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار ، وهو قول مجاهد والثوري. وقال قوم : المراد من العود الوطء ، وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري ، وقالوا لا كفارة عليه ما لم يطأها ، وقال قوم هو العزم على الوطء ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها ، فلم يفعل فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة ، وفسر ابن عباس العود بالندم ، فقال : يندمون فيرجعون إلى الألفة ومعناه [على](١) هذا ، قال الفراء : يقال عاد فلان لما قال أي فيما قال وفي نقض ما قال يعني رجع عما قال ، وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر من امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) والمراد بالتماس المجامعة فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام ، وعند مالك : إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] ولم يقل من قبل أن يتماسّا ، وعند الآخرين الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام.
واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير كالقبلة والتلذذ فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء وهو قول الحسن وسفيان الثوري وأظهر قولي (٢) الشافعي ، كما أن الحيض يحرم الوطء دون سائر الاستمتاعات وذهب بعضهم إلى أنه يحرم لأن اسم التماس يتناول الكل ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى ، والكفارة في ذمته ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر ولا يجب بالجماع كفارة أخرى ، وقال بعض أهل العلم : إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان وكفارة الظهار مرتبة عليه يجب عليه عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين ، فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا ، وقد ذكرنا في سورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين ، (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ) ، تؤمرون به ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤))
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) ، يعني الرقبة ، (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، فإن كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى خدمته أوله ثمن رقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم. وقال مالك والأوزاعي : يلزم الإعتاق إذا كان واجدا للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجا إليه. وقال أبو حنيفة : إن كان واجدا لعين (٣) الرقبة يجب عليه إعتاقها ، وإن كان محتاجا إليها ، فأما إذا كان واجدا لثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله أن يصوم فلو شرع المظاهر في صوم شهرين ثم جامع في خلال الشهر بالليل يعصي الله تعالى
__________________
(١) زيادة عن المخطوط (أ)
(٢) في المطبوع «قول» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «واجد العين» وفي المخطوط (ب) «واجدا لغير» والمثبت عن المخطوط (أ)