ذكر الآية السابعة عشر :
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء : ٦٤].
قال المفسرون : اختصم يهودي ومنافق ، وقيل : بل مؤمن ومنافق ، فأراد اليهودي ، وقيل : المؤمن ، أن تكون الحكومة بين يدي الرسول صلىاللهعليهوسلم فأبى المنافق. فنزل قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [النساء : ٦٠] إلى هذه الآية ، وكان معنى هذه الآية : ولو أن المنافقين جاءوك فاستغفروا من صنيعهم واستغفر لهم الرسول ، وقد زعم بعض منتحلي التفسير : أن هذه الآية نسخت بقوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠].
وهذا قول مرذول ، لأنه إنما قيل : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لإصرارهم على النفاق ، فأما إذا جاءوا فاستغفروا واستغفر لهم الرسول ، فقد ارتفع الإصرار فلا وجه للنسخ.
ذكر الآية الثامنة عشر :
قوله تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [النساء : ٧١] وهذه الآية تتضمن الأمر بأخذ الحذر ، والندب إلى أن يكونوا عميا وقت نفيرهم ، ذوي أسلحة عند بروزهم إلى عدوهم ولا ينفروا منفردين ، لأن الثبات الجماعات المتفرقة.
وقد ذهب قوم : إلى أن هذه الآية منسوخة.
[١٢١] ـ أخبرنا ابن ناصر قال : ابنا علي بن أيوب ، قال : ابنا علي بن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : ابنا الحسن بن محمد ، قال : ابنا حجاج بن محمد قال : قال ابن جريج وعمر بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ) ، وقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] وقال : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) [التوبة : ٣٩] ثم نسخ هذه الآيات ، فقال : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢].
قلت : وهذه الرواية فيها مغمز ، وهذا المذهب لا يعمل عليه ، وأحوال المجاهدين تختلف ، والأمر في ذلك على حسب ما يراه الإمام ، وليس في هذه الآيات شيء منسوخ بل كلها محكمات ، وقد ذهب إلى ما قد ذهبت إليه أبو سليمان الدمشقي.