والثاني : أنها حصرت المحرم ، فليس في الحيوانات محرم إلا ما ذكر فيها. ثم اختلف أرباب هذا القول ؛ فذهب بعضهم إلى أنها محكمة ، وأن العمل على ما ذكر فيها ، فكان ابن عباس لا يرى بلحوم الحمر الأهلية بأسا ، ويقرأ هذه الآية ويقول : ليس بشيء حراما إلا ما حرمه الله في كتابه ، وهذا مذهب عائشة ، والشعبي.
وذهب آخرون إلى أنها نسخت بما ذكر في المائدة من المنخنقة ، والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، وقد رد قوم هذا القول ، بأن قالوا : كل هذا داخل في الميتة ، وقد ذكرت الميتة هاهنا فلا وجه للنسخ.
وزعم قوم : أنها نسخت بآية المائدة ، وبالسنة من تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وهذا ليس بصحيح ، أما آية المائدة فقد ذكرنا أنها داخلة في هذه الآية.
وأما ما ورد في السنة فلا يجوز أن يكون ناسخا ، لأن مرتبة القرآن لا يقاومها أخبار الآحاد ولو قيل : إن السنة خصت ذلك الإطلاق أو ابتدأت حكما ، كان أصلح ، وإنما الصواب عندنا أن يقال : هذه الآية نزلت بمكة ، ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرمات اليوم قد تتامت ، ولهذا قال : (فِي ما أُوحِيَ) على لفظ الماضي وقد كان حينئذ من قال : لا إله إلا الله ثم مات ، دخل الجنة ، فلما جاءت الفرائض والحدود ، وقعت المطالبة بها ، فكذلك هذه الآية إنما أخبرت بما كان في الشرع من التحريم يومئذ ، فلا ناسخ إذن ولا منسوخ. ثم كيف يدعى نسخها وهي خبر ، والخبر لا يدخله النسخ (١).
ذكر الآية السابعة عشر :
قوله تعالى : (انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [الأنعام : ١٥٨] للمفسرين فيها قولان :
الأول : أنها اقتضت الأمر بالكف عن قتالهم ، وذلك منسوخ بآية السيف.
والثاني : أن المراد بها التهديد ، فهي محكمة وهو الصحيح.
ذكر الآية الثامنة عشر :
قوله تعالى : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام : ١٥٩] للمفسرين في معناه ثلاثة أقوال:
الأول : لست من قتالهم في شيء ، ثم نسخ بآية السيف ، قاله السدي.
__________________
(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٠٢ ـ ١٠٣).