للمفسرين في هذه الآية قولان :
القول الأول : أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار ، وذلك قبل الأمر بالقتال ثم نزلت آية السيف فنسختها ، قاله الأكثرون وروى الضحاك عن ابن عباس ، قال : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم ، قال : ثم نسخت بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية. وهكذا قال مجاهد.
[١٩٩] ـ وأخبرنا المبارك بن علي قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا الحسين بن علي ، قال : بنا عامر بن الفرات ، عن أسباط ، عن السدي (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) قال : هذه قبل السيف ، وقبل أن يؤمر بالجزية.
والقول الثاني : أن معناها : أن الكلام بعد ظهور الحجج والبراهين قد سقط بيننا فلم يبق إلا السيف ، فعلى هذا هي محكمة ؛ قاله جماعة من المفسرين ، وهو الصحيح.
ذكر الآية الرابعة :
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) هذا محكم. وقوله : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [الشورى : ٢٠] للمفسرين فيه قولان :
الأول : أنه منسوخ ، بقوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨] رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال مقاتل :
والثاني : أنه محكم م ؛ لأنه خبر ، قاله قتادة.
ووجهه ما بيناه في نظيرها في آل عمران عند قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥].
ذكر الآية الخامسة :
قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
للمفسرين فيها قولان :
الأول : أن هذا الاستثناء من الجنس ، فعلى هذا يكون سائلا أجرا ، وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى ثم قال : نسخت هذه الآية بقوله : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] وإلى هذا ذهب مقاتل.
والثاني : أنه استثناء من غير الأول ، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا ، وإنما المعنى : لكني أذكركم المودة في القربى ، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس ، منهم طاوس والعوفي.