فان قلت : فما فائدة الانشاء؟ إذا لم يكن المنشأ به طلبا فعليا ، وبعثا حاليا.
قلت : كفى فائدة له أنّه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط ، بلا حاجة إلى خطاب آخر ، بحيث لولاه لما كان فعلا متمكنا من الخطاب ، هذا مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط ، فيكون بعثا فعليا بالإضافة إليه ، وتقديريّا بالنسبة إلى الفاقد له ، فافهم وتأمل جيّدا.
______________________________________________________
ويمكن أن يكون صلاح الفعل مطلقا ولكن لا يتمكّن العبد من ذلك الفعل إلّا بحصول أمر آخر كقوله : (إذا تمكّنت على تعلّم العلم فتعلّم) فإنّ كون الطلب مشروطا لأجل أنّه لا أثر للطلب بدون حصول التمكّن ، فلا يكون الطلب المشروط طلبا واقعيا إلّا بعد حصول الشرط إذن فلا ينحصر الطلب المشروط بموارد وجود المانع عن إطلاق الطلب الحقيقي.
وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ البعث والطلب وإن اتّصف بكونه حقيقيا إلّا أنّ اتّصافه به إنّما هو بلحاظ كون الغرض من اعتباره إمكان انبعاث العبد به إلى الفعل ، وعليه إذا كان الصلاح في الفعل أو غيره داعيا للمولى إلى إنشاء البعث والطلب على نحو الاشتراط والتعليق فلا محذور فيه ، حيث إنّ الإنشاء ليس عين المنشأ خارجا ليكون تغايرهما بالاعتبار كما في تغاير الكسر والانكسار والإيجاد والوجود حتّى يلزم فعلية الإنشاء بلا فعلية المنشأ فيكون ممتنعا ، بل هما متغايران ذاتا كما بيّناه سابقا. ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون الإنشاء مبرزا للمنشإ ومقوّما لعنوانه أو القول بأنّ المنشأ أمر مسبّب عن الإنشاء ، فإنّ التسبّب المزبور بما أنّه أمر جعلي اعتباري فيمكن أن يوجد بالسبب التكويني الفعلي الأمر الاعتباري المتأخّر.