واتصاف الفعل بالمطلوبية الواقعية والإرادة الحقيقية ـ الداعية إلى إيقاع طلبه ، وإنشاء إرادته بعثا نحو مطلوبه الحقيقي وتحريكا إلى مراده الواقعي ـ لا ينافي اتصافه بالطلب الإنشائي أيضا ، والوجود الإنشائي لكل شيء ليس إلا قصد حصول مفهومه بلفظه ، كان هناك طلب حقيقي أو لم يكن ، بل كان إنشاؤه بسبب آخر.
______________________________________________________
ولعلّ التعبير عن مفاد الهيئة بالطلب وعدم ذكر كونه إنشائيا أوجب اشتباه مفهوم الطلب المزبور كونه مدلول الهيئة بمصداقه الحقيقي.
أقول : قد تقدّم في الواجب المشروط أن تقييد مفاد الهيئة عبارة عن تعليق الطلب المنشأ ، كتعليق المنشأ في المعاملات كالوصية أو تعليق النسبة الطلبية ، فالأوّل كقوله «أطلب منك إكرام زيد إذا جاءك» ، والثاني كقوله «إن جاءك زيد فأكرمه» والوجوب الغيري سواء كان إنشائه بمادة الطلب أو بصيغة الأمر ، عبارة أخرى عن تعليق وجوب الفعل بما إذا وجب فعل آخر ، ولا محذور في هذا التعليق حتّى بناء على كون مفاد الهيئة والمعنى الحرفي لا يقبل التوسعة والتضيّق بمعنى الصدق على كثيرين بدعوى أنّ الإطلاق والتقييد بهذا المعنى يختصّان بالمفاهيم الاسمية ، ولا يجريان في معاني الحروف والهيئات ، وقد ذكرنا أنّ معانيهما أيضا يتّصفان بذلك ، ولكن بتبع معنى المدخول والمتعلّقات.
ثم إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على أنّ معاني الحروف والهيئات لا تقبل التعليق أيضا ، فيمكن استظهار كون وجوب الفعل نفسيا لا غيريا من إطلاق المادة ، فمثلا إذا ورد في الخطاب الأمر بالاغتسال على من مسّ الميت وشك في كون وجوبه نفسيا أو غيريّا ، كالاغتسال من الجنابة ، يثبت كون وجوبه نفسيا بإطلاق الاغتسال وعدم تقييده بقصد التوصل إلى الصلاة ، وذلك لأنّ متعلّق الأمر الغيري على مسلك الشيخ قدسسره مقيّد بالقصد المذكور كما يأتي ، فيكون إطلاق الاغتسال في خطاب وجوبه