ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق ، فتوهّم منه أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا ، يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع ، ولعمري إنه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق ، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلا للتقييد لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلا له ، وإن تعارف تسميته بالطلب أيضا ، وعدم تقييده بالإنشائي لوضوح إرادة خصوصه ، وإن الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها ، كما لا يخفى.
فانقدح بذلك صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط ، كما مرّ هاهنا بعض الكلام ، وقد تقدم في مسألة اتحاد الطلب والإرادة ما يجدي في المقام.
______________________________________________________
كاشفا عن كونه واجبا نفسيا.
وقد يوجّه بطريق آخر في إثبات كون الفعل واجبا نفسيا ، وهو التمسّك بإطلاق متعلّق الأمر النفسي الآخر المحتمل كون الفعل المشكوك في نفسيّة وجوبه أو غيريّته قيدا له ، كإطلاق الصلاة في مثل قوله سبحانه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإنّه لو كان الاغتسال على من مسّ الميت واجبا غيريا كانت الصلاة متقيّدة به ، بخلاف ما إذا كان واجبا نفسيا ، وبما أنّ دلالة الخطاب معتبرة في مدلوله الالتزامي ، فيثبت بإطلاق المتعلّق لوجوب الصلاة كون وجوب الاغتسال نفسيا وأنّ الصلاة غير مقيّدة به.
لكن لا يخفى أنّ هذا يصحّ على مسلك الأعمى فيما إذا فرض تمامية الإطلاق في ناحية المتعلّق في خطاب (أَقِيمُوا الصَّلاةَ ،) وقد تقدّم في بحث الصحيحي والأعمى عدم كون مثل الخطاب المذكور في مقام بيان المتعلّق ، بل إنّما هو وارد في بيان أصل التشريع.