ثانيها :
إنّ عدالة الرواة لا طريق إليها إلاّ بالرجوع إلى كتب أهل الرجال الذين أخذوا عدالة الرواة من كتب غيرهم ، وغيرهم من غيرهم .. ولا يثبت بذلك التعديل المعتبر ؛ لعدم العبرة بالقرطاس ، وأنّ شهادة الفرع غير مسموعة في المقام ، سيّما مع عدم معلوميّة الأصل ، وحجيّة تزكية الراوي مبني على ثبوت تزكية المزكّي ، وليس لنا طريق إليه (١).
وفيه : أنّ التزكية هنا ليست شهادة حتّى يعتبر فيها ما يعتبر في تلك من الأصالة ، والشفاه .. وغيرها ، وإلاّ لما جاز أخذ الأخبار من الاصول ، مع أنّها مأخوذة من الاصول الأربعمائة.
بل المقصود من الرجوع إلى علم الرجال هو التثبّت ، وتحصيل الظنّ الاطمئناني الانتظامي ـ الذي انتظم أمور العقلاء به فيما يحتاجون إليه ـ وهو يختلف باختلاف الأمور معاشا ومعادا ، ويختلف في كلّ منهما باعتبار زيادة الاهتمام به ونقصانه ، ولعلّه أحد الوجوه للتسامح في أدلّة السنن (٢) ، ولا ريب
__________________
(١) وبعبارة اخرى : إنّ الرجوع إلى علماء الرجال وكتبهم إنّما هو تعويل على النقوش والقراطيس ، وغاية ما ثبت هو حجية ظواهر الألفاظ ، والنقوش ليست منها ، فلتكن على الأصل من حرمة العمل بالظنون ، ولا يعتمد عليها ؛ لأنّها ليست من أمارات القطع بالمراد ..
(٢) سلف الحديث عن هذه القاعدة من المصنف قدّس سرّه في كتابه الرائع مقباس الهداية ـ