من الفقراء والسادة تعدل أو تزيد على ما يقسمه في تمام السنة ..
ولم يكن يفرّق في العطاء ـ بعد إحراز الحاجة ـ بين القريب والبعيد ، والتلميذ وغيره ، والتركي والعجمي [أي الفارسي] والعربي والهندي و .. غيرهم (١).
وكان يقول لي مراراً ـ في مقام الوعظ ـ : بنيّ! هذا الّذي نقبضه يحصّله الكاسب والتاجر والزارع بتحمل البرد والحرّ والخوف من الحرق والغرق والسرق في الأسفار والغربة ويسلّم إلينا ـ من خوف الله تعالى ـ ما هو أعزّ من نفسه ، وما بذل نفسه في تحصيله لنوصله إلى أهله ، فإيّاك ثمّ إيّاك! إنّك في حال الإيصال تترك قصد القربة ، ويكون الداعي إلى عطائك الحبّ أو الصداقة أو .. نحو ذلك ممّا كان غير القربة ، فإنّك غداً يوم القيامة تعاقَب .. ومع الغض عن العقاب فيكفي عتاب صاحب المال غداً : بأ نّي ائتمنتك على مال الله تعالى وأنت ـ أيها العالم ـ خِنتني ..!
ولقد كان يعيش جمّ غفير من المشتغلين والضعفاء بصلته ، حتّى أنّه لما فقد ظهرت حاجة أهل العلم واستيصالهم وعدم ملجأ لهم (٢) ..
__________________
(١) قال الشيخ محمّد أمين المامقاني نقلاً عن استاذه السيّد مسلم الحلّي ، عن والده رحمهما الله : إنّه كان في عصر مرجعية الشيخ المامقاني الكبير مجتهد في الحلّة يعيش في النجف بضيق حال ، وشدّة إملاق ، فجاءه مندوب الشيخ بمعونة (ليرتين من الذهب) ـ وهو قدر كبير يفي المرحوم وعائلته شهرين أو ثلاثة ـ فتعجب من هذا المدد مع انتفاء العلاقة ، واستفسر فأجابه المندوب : إنّه قد وصل المولى من الحقوق الشرعية مقدار فأمرني بتوزيعها على أهل العلم والفضيلة والاجتهاد ممّن لم يحضر درسي ولم يشهد مجلسي ولم يشارك في جماعتي ـ يعني صلاة جماعته ـ وهأنذا أمتثل أمره .. فلا عجب ..! كما جاء في مقدّمته على اخراجه لكتاب غاية الآمال الّذي هو حاشية على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري رحمه الله ١/٦.
(٢) قال السيّد النجفي القوچاني في كتابه : سياحت شرق ـ في معرض حديثه عن سكناه في دار وقف في النجف حيث سكنها ـ