وعضو من الجمل وأظلاف من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل فإنك ترى رأسه وأذنيه وكفله (١) وذنبه وحوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس والحمار وشحيجه (٢) كالممتزج من صهيل الفرس ونهيق الحمار فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شيء وليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء ويفرق ما شاء منها في أيها شاء ويزيد في الخلقة ما شاء وينقص منها ما شاء دلالة على قدرته على الأشياء وأنه لا يعجزه شيء أراده جل وتعالى فأما طول عنقها والمنفعة لها في ذلك فإن منشأها ومرعاها في غياطل (٣) ذوات أشجار شاهقة ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج إلى طول العنق لتتناول بفيها أطراف تلك الأشجار فتقوت من ثمارها.
( القرد وخلقته والفرق بينه وبين الإنسان )
تأمل خلقة القرد وشبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس والوجه والمنكبين والصدر وكذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الإنسان وخص مع ذلك بالذهن والفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومئ إليه ويحكي
__________________
(١) الكفل ـ بفتحتين ـ من الدابّة : العجز او الردف والجمع اكفال
(٢) الشحيج من شحج البغل : صوّت وغلظ صوته.
(٣) الغياطل جمع غيطل وهو الشجر الكثير الملتف.