قلت : لا يا مولاي.
قال إن معاشها من ضروب تنتشر في الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب (١) وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار اجتمع عليه من هذه الضروب شيء كثير .. فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب فإن قال قائل : إنه يأتي من الصحاري والبراري قيل له : كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها.
فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو واعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له ..
( خلقة الخفاش )
خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع هو إلى ذوات الأربع أقرب وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين (٢) وأسنان ووبر
__________________
(١) اليعاسيب جمع يعسوب وهو ذكر النجل وأميرها.
(٢) الناشز : ما كان ناتئا مرتفعا عن مكانه .. وفي نسخة ناشر بالراء أي مبسوط.