( نمو أبدان الحيوان وتوقفها وسبب ذلك )
لم صارت أبدان الحيوان وهي تغتذي أبدا لا تنمي بل تنتهي إلى غاية من النمو ثم تقف ولا تتجاوزها لو لا التدبير في ذلك فإن تدبير الحكيم فيها أن تكون أبدان كل صنف منها على مقدار معلوم غير متفاوت في الكبير والصغير وصارت تنمي حتى تصل إلى غايتها ثم تقف ثم لا تزيد والغذاء مع ذلك دائم لا ينقطع ولو تنمي نموا دائما لعظمت أبدانها واشتبهت مقاديرها (١) حتى لا يكون لشيء منها حد يعرف.
( ما يعتري أجسام الإنس من ثقل الحركة والمشي لو لم يصبها ألم )
لم صارت أجسام الإنس خاصة تثقل عن الحركة والمشي وتجفو عن الصناعات اللطيفة (٢) إلا لتعظيم المئونة فيما يحتاج إليه الناس للملبس والمضجع والتكفين وغير ذلك لو كان الإنسان لا يصيبه ألم ولا وجع بم كان يرتدع عن الفواحش ويتواضع لله ويتعطف على الناس ...
__________________
(١) أي لم يعرف غاية ما ينتهي إليه مقداره ، فيشتبه الامر عليه ، فيما يريد أن يهيئه لنفسه من دار وثياب وزوجة.
(٢) أي يبتعد ويجتنب ولا يداوم على الصناعات اللطيفة أي التي فيها دقة ولطافة. والمراد ان الله تعالي جعل اجسام الإنسان بحيث تثقل عن الحركة والمشى قبل سائر الحيوانات ، وتكل عن الاعمال الدقيقة لتعظم عليه مئونة تحصيل ما يحتاج إليه ، فلا يبطر ولا يطمع ، او ليكون لهذه الاعمال اجر ، فيصير سببا لمعايش أقوام يزاولونها.