( حال المولود لو ولد فهما عاقلا وتعليل ذلك )
ولو كان المولود يولد فهما (١) عاقلا لأنكر العالم عند ولادته ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم.
واعتبر ذلك بأن من سبي من بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع إلى تعلم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي سبي صغيرا غير عاقل ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة (٢) إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجى (٣) في المهد لأنه لا يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين يولد ثم كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج إلى الدنيا غبيا (٤) غافلا عما فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة ثم لا يزال يتزايد في المعرفة قليلا
__________________
ـ المتضادة ، وربما أمكن اقامة البرهان عليه أيضا ، فإذا أتي الاهمال بالصواب يجب ان يأتي ضده وهو التدبير بالخطإ ، وهذا أفظع وأشنع.
( من تعليقات البحار )
(١) الفهم : ـ بفتح فكسر ـ السريع الفهم.
(٢) الغضاضة : هى الذلة والمنقصة ـ جمعها غضائض.
(٣) التسجية : هى التغطية بثوب يمد على الجسم.
(٤) على وزن فعيل ـ وهو القليل الفطنة.