يستطيع أن يكتب أو يحفظ أو ينسج في ظلمة الليل وكيف كان حال من عرض له وجع في وقت من أوقات الليل فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا (١) أو شيئا يستشفي به فأما منافعها في نضج الأطعمة ودفاء الأبدان وتجفيف أشياء وتحليل أشياء وأشباه ذلك فأكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى.
( الصحو والمطر وتعاقبهما على العالم وفوائد ذلك )
فكر يا مفضل في الصحو والمطر كيف يتعاقبان على هذا العالم لما فيه صلاحه ولو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده ألا ترى أن الأمطار إذا توالت عفنت البقول والخضر واسترخت أبدان الحيوان وحصر الهواء فأحدث ضروبا من الأمراض وفسدت الطرق والمسالك وأن الصحو إذا دام جفت الأرض واحترق النبات وغيض ماء العيون والأودية فأضر ذلك بالناس وغلب اليبس على الهواء فأحدث ضروبا أخرى من الأمراض فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء ودفع كل واحد منهما عادية الآخر فصلحت الأشياء واستقامت فإن قال قائل : ولم لا يكون في شيء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك الإنسان ويؤلمه بعض الألم فيرعوي عن المعاصي فكما أن الإنسان إذا سقم بدنه احتاج إلى الأدوية المرة البشعة ليقوم طباعه ويصلح ما فسد
__________________
(١) السفوف ـ بالفتح ـ : ما تسفه من دواء ونحوه. وسف الدواء ونحوه : اخذه غير ملتوت.