وهذه الأزمان الأربعة المتوالية من التنبيه على الأرض وما عليها من أصناف الحيوان والنبات من ضروب المصلحة كالذي بينت وشخصت لك آنفا وهل يخفى على ذي لب أن هذا تقدير مقدر وصواب وحكمة من مقدر حكيم فإن قال قائل إن هذا شيء اتفق أن يكون هكذا فما منعه أن يقول مثل هذا في دولاب (١) يراه يدور ويسقي حديقة فيها شجر ونبات فيرى كل شيء من آلاته مقدرا بعضه يلقى بعضا على ما فيه صلاح تلك الحديقة وما فيها وبم كان يثبت هذا القول لو قاله وما ترى الناس كانوا قائلين له لو سمعوه منه أفينكر أن يقول في دولاب خشب مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعة من الأرض أنه كان بلا صانع ومقدر ويقدر أن يقول في هذا الدولاب الأعظم المخلوق بحكمة تقصر عنها أذهان البشر لصلاح جميع الأرض وما عليها أنه شيء اتفق أن يكون بلا صنعة ولا تقدير لو اعتل هذا الفلك كما تعتل الآلات التي تتخذ للصناعات وغيرها أي شيء كان عند الناس من الحيلة في إصلاحه.
( مقادير الليل والنهار )
فكر يا مفضل في مقادير النهار والليل كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق فصار منتهى كل واحد منهما إذا امتد ـ إلى
__________________
(١) الدولاب ـ بالفتح ـ كل آلة تدور على محور والجمع دواليب ، والكلمة من الدخيل.