الفنان ، ان اخرج من الحق باطلا ، ومن الباطل حقا. لكنه مع هذا يعجز ان يحمل القارئ على الايمان بما يرى ، والتصديق لما يقول (١) والجاحظ إذا اخضع مختلف المواضيع لاسلوبه ، لم يخضع بينها الفلسفة بحدودها ومصطلحاتها وتعاريفها وانما تناولها تناول أديب يتفلسف (٢)
وكتاب التوحيد وان لم يكن موضوعه فلسفيا ، فهو من النتائج الفلسفية البعيدة الاغوار التي لا ينتهى إليها إلا من أوتي حظا عظيما من الفهم والدراية بشئون هذا الخلق ، وأحوال هذا العالم ، مما هو داخل في حظيرة علم المعقول .. والجاحظ ليس اهلا لخوض مثل موضوع كتاب التوحيد والوقوف عند أمثاله موقف العاجم لعوده ، الغائص في اغواره الكاشف عن مبهماته ، العارف باصوله وفروعه.
ولقد جاء في أخبار الإمام الصادق ـ المروية في الموسوعات الكبيرة والمثبتة في أمهات الكتب ـ الكثير مما يشابه المسائل العلمية التي تضمنها توحيد المفضل ، ويقارب ما احتوى عليه من موضوعات في الطبيعة .. من ذلك ما أثبته المجلسي (٣) في حديث رواه سالم الضرير في ان نصرانيا سأل الصادق عن تفصيل الجسم ، وجواب الامام له جوابا لا يعدو المراد
__________________
(١ ، ٢) أبو حيان التوحيدى لعبد الرزاق محي الدين ص ٣٥٠ ط السعادة.
(٣) راجع بحار الأنوار مج ١١ ص ١٢٨.