ان هذه المقارنة تعطينا نظرة اجمالية عما بين أسلوب الجاحظ والصادق من التنافر والبعد ، فان الجاحظ في مثل هذه الموضوعات يبدو حريصا على تجميل الكلام وتنميق الأسلوب ، وطالما نراه يستعمل الحذلقة والتظرف في المناقشة مع شيء غير قليل من التماجن والدعابة والسخرية.
أما الإمام الصادق فانه مسترسل في كلامه كل الترسل ، سمح في عبارته كل السماحة.
ثم ان في كتاب التوحيد تناسق في البحوث ، ووحدة موضوعية منعدمة في مؤلفات الجاحظ ، لان الجاحظ يتبع طريقة الاستطراد ويبتعد كثيرا عن صلب الموضوع.
ولو كان كتاب التوحيد للجاحظ حقا ، لأودع فيه شيئا من آرائه الخاصة في الاعتزال ، او آراء بعض أئمة المعتزلة ، وما لهم من عقائد في باب الحكمة والتدبير في الخلق ، كما هو شأنه في بحوثه الكلامية ... وبعكس ذلك نرى روح التشيع متجلية ظاهرة في كتاب التوحيد ، وان سهولة عبارته اقرب ما تكون ميلا إلى أسلوب الإمام الصادق والأفكار التي كان يمليها على المآت من تلاميذه وأصحابه.
والجاحظ كان يتناول الأفكار بروح يبدو انه خال من حرارة الايمان ، وانه يأتي الفن بقصد العبث والتلاعب ، واظهار المقدرة البيانية ، وهي روح تقصيه عن مكان الكاتب ذي الرسالة السامية ، والذي يقول ويعنى ما يقول ، ثم يؤمن بما يقول ، لذلك لا يحس قارئ الجاحظ إلا بالنشوة تخامره ، وباللذة تساوره ، وبالاعجاب بقدرة هذا