( أجساد الأنعام وما أعطيت وما منعت وسبب ذلك )
وفكر يا مفضل بعد هذا في أجساد الأنعام (١) فإنها حين خلقت على أبدان الإنس من اللحم والعظم والعصب أعطيت أيضا السمع والبصر ليبلغ الإنسان حاجته فإنها لو كانت عميا صما لما انتفع بها الإنسان ولا تصرفت في شيء من مآربه ثم منعت الذهن والعقل لتذل للإنسان فلا تمتنع عليه إذا كدها الكد الشديد وحملها الحمل الثقيل فإن قال قائل إنه قد يكون للإنسان عبيد من الإنس يذلون ويذعنون بالكد الشديد وهم مع ذلك غير عديمي العقل والذهن فيقال في جواب ذلك إن هذا الصنف من الناس قليل فأما أكثر الناس فلا يذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل والطحن وما أشبه ذلك ولا يغرون (٢) بما يحتاج إليه منه ثم لو كان الناس يزاولون مثل هذه الأعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الأعمال لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد والبغل الواحد إلى عدة أناسي فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتى لا يكون فيهم عنه فضل لشيء من الصناعات مع ما يلحقه من التعب الفادح في أبدانهم والضيق والكد في معاشهم.
__________________
(١) الأنعام جمع نعم ـ بفتحتين ـ الإبل وتطلق على البقر والغنم.
(٢) لا يغرون ـ بالغين على بناء المفعول ـ اي لا يؤثر فيهم الاغراء والتحريض على جميع الاعمال التي يحتاج إليها الخلق من ذلك العمل الذي تأتى به الدوابّ.