احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في بعض الأعمال في النهار ولشدة الحر وإفراطه فيعمل في ضوء القمر أعمالا شتى كحرث الأرض وضرب اللبن وقطع الخشب وما أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على معايشهم إذا احتاجوا إلى ذلك وأنسا للسائرين وجعل طلوعه في بعض الليل دون بعض ونقص مع ذلك عن نور الشمس وضيائها لكيلا ينبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار ويمتنعوا من الهدوء والقرار فيهلكهم ذلك وفي تصرف القمر خاصة في مهله (١) ومحاقه (٢) وزيادته ونقصانه وكسوفه من التنبيه على قدرة الله تعالى خالفه المصرف له هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر به المعتبرون.
( النجوم واختلاف مسيرها والسبب في أن بعضها راتبة والأخرى منتقلة )
فكر يا مفضل في النجوم واختلاف مسيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك (٣) ولا تسير إلا مجتمعة وبعضها مطلقة تنتقل في البروج وتفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين أحدهما عام مع الفلك نحو المغرب والآخر خاص لنفسه نحو المشرق كالنملة التي تدور على الرحى فالرحى تدور ذات اليمين والنملة تدور ذات الشمال
__________________
(١) مهله : أى ظهوره.
(٢) المحاق : ـ بكسر الأول او ضمه او فتحه ـ هو آخر الشهر القمري وقيل ثلاث ليال من آخره.
(٣) لعل المراد انه ليس لها حركة بينة ظاهرة كما في النجوم السيارة