والنملة في ذلك تتحرك حركتين مختلفين إحداهما بنفسها فتتوجه أمامها والأخرى مستكرهة مع الرحى تجذبها إلى خلفها فاسأل الزاعمين أن النجوم صارت على ما هي عليه بالإهمال من غير عمد ولا صانع لها ما منعها أن تكون كلها راتبة (١) أو تكون كلها منتقلة فإن الإهمال معنى واحد (٢) فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين على وزن وتقدير ففي هذا بيان أن مسير الفريقين على ما يسيران عليه بعمد وتدبير وحكمة وتقدير وليس بإهمال كما يزعم المعطلة فإن قال قائل ولم صار بعض النجوم راتبا وبعضها منتقلا قلنا إنها لو كانت كلها راتبة لبطلت الدلالات التي يستدل بها من تنقل المنتقلة ومسيرها في كل برج من البروج كما يستدل بها على أشياء مما يحدث في العالم بتنقل الشمس والنجوم في منازلها ولو كانت
__________________
(١) راتبة أي ثابتة غير متحركة.
(٢) يحتمل أن يكون المراد ان الطبيعة او الدهر ـ الذين يجعلونهما أصحاب الإهمال مؤثرين ـ كل منهما أمر واحد غير ذي شعور وإرادة ، ولا يمكن صدور الامرين المختلفين عن مثل ذلك .. أو المراد ان العقل يحكم بان مثل هذين الامرين المتسقين الجاريين علي قانون الحكمة لا يكون إلاّ من حكيم راعى فيهما دقائق الحكم .. او المراد ان الاهمال أي عدم الحاجة الى العلة ، وترجح الامر الممكن من غير مرجح كما تزعمون أمر واحد حاصل فيهما ، فلم صارت إحداهما راتبة والأخرى منتقلة؟ ولم لم يعكس الامر .. ولعلّ المعنى الأول الذي ذكرناه أفضل وأقرب.
( من تعليقات البحار )