ويتخذ لنفسه الكسوة ويستبدل بها حالا بعد حال وله في ذلك صلاح من جهات من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما تخرجه إليه الكفاية ومنها أنه يستريح إلى خلع كسوته إذا شاء ولبسها إذا شاء ومنها أن يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال وروعة فيتلذذ بلبسها وتبديلها وكذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف (١) والنعال يقي بها قدميه وفي ذلك معايش لمن يعمله من الناس ومكاسب يكون فيها معايشهم ومنها أقواتهم وأقوات عيالهم فصار الشعر والوبر والصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة والأظلاف (٢) والحوافر والأخفاف مقام الحذاء.
( مواراة البهائم عند إحساسها بالموت )
فكر يا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم فإنهم يوارون (٣) أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم وإلا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها لا يرى منها شيء وليست قليلة فتخفى لقلتها بل لو قال قائل أنها أكثر من الناس لصدق.
فاعتبر في ذلك بما تراه في الصحاري والجبال من أسراب الظباء (٤)
__________________
(١) الخفاف جمع خف ـ بالضم ـ وهو ما يلبس بالرجل.
(٢) الاظلاف ـ بالكسر ـ وهو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظبي بمنزلة الحافر للفرس.
(٣) يوارون انفسهم : يخفونها.
(٤) الظباء جمع ظبية وهي انثى الغزال.