هذه الأقاويل منهم في الشمس دليل على أنهم لم يقفوا على الحقيقة من أمرها فإذا كانت هذه الشمس التي يقع عليها البصر ويدركها الحس قد عجزت العقول عن الوقوف على حقيقتها فكيف ما لطف عن الحس واستتر عن الوهم فإن قالوا ولم استتر قيل لهم لم يستتر بحيلة يخلص إليها كمن يحتجب من الناس بالأبواب والستور وإنما معنى قولنا استتر أنه لطف عن مدى ما تبلغه الأوهام كما لطفت النفس وهي خلق من خلقه وارتفعت عن إدراكها بالنظر فإن قالوا ولم لطف تعالى عن ذلك علوا كبيرا كان ذلك خطأ من القول لأنه لا يليق بالذي هو ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) إلا أن يكون مباينا لكل شيء متعاليا عن كل شيء سبحانه وتعالى.
( الحق الذي تطلب معرفته من الأشياء أربعة أوجه وتفصيل ذلك )
فإن قالوا : كيف يعقل أن يكون مباينا لكل شيء متعاليا عن كل شيء؟ قيل لهم : الحق الذي تطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه فأولها أن ينظر أموجود هو أم ليس بموجود والثاني أن يعرف ما هو في ذاته وجوهره والثالث أن يعرف كيف هو وما صفته والرابع أن يعلم لما ذا هو ولأي علة فليس من هذه الوجوه شيء يمكن للمخلوق أن يعرفه من الخالق حق معرفته غير أنه موجود فقط فإذا قلنا وكيف وما هو فممتنع علم كنهه وكمال المعرفة به وأما لما ذا هو فساقط في صفة الخالق لأنه جل ثناؤه علة كل شيء وليس شيء بعلة له ثم ليس