الناس من معرة (١) ما يحدث عليهم من الأمراض والفساد.
( الفطن التي جعلت في البهائم : الأيل والثعلب والدلفين )
فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عز وجل لهم لئلا يخلو من نعمه جل وعز أحد من خلقه لا بعقل وروية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله ويقف على الغدير وهو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا ولا يشرب منه ولو شرب لمات من ساعته.
فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظمإ الغالب الشديد خوفا من المضرة في الشرب وذلك مما لا يكاد الإنسان العاقل المميز يضبطه من نفسه.
و ( الثعلب ) إذا أعوزه الطعم تماوت ونفخ بطنه حتى يحسبه الطير ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها فمن أعان الثعلب العديم النطق والروية بهذه الحيلة إلا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا وشبهه فإنه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما تقوى عليه السباع من مساورة الصيد أعين بالدهاء والفطنة والاحتيال لمعاشه.
و ( الدلفين ) (٢) يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك أن
__________________
(١) المعرة : الأمر القبيح والمساءة والاثم والاذى.
(٢) الدلفين ـ بضم فسكون ـ دابة بحرية كبيرة والجمع دلافين ، واللفظ دخيل ومرادفه في العربية الدخس ـ بضم ففتح ـ.