فأحدثت عللا وأوجاعا ومنع مع ذلك الشعر من المواضع التي تضر بالإنسان وتحدث عليه الفساد والضر لو نبت الشعر في العين ألم يكن سيعمى البصر ولو نبت في الفم ألم يكن سينغص على الإنسان طعامه وشرابه ولو نبت في باطن الكف ألم يكن سيعوقه عن صحة اللمس وبعض الأعمال ولو نبت في فرج المرأة وعلى ذكر الرجل ألم يكن سيفسد عليهما لذة الجماع؟ .. فانظر كيف تنكب (١) الشعر عن هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة ثم ليس هذا في الإنسان فقط بل تجده في البهائم والسباع وسائر المتناسلات فإنك ترى أجسامها مجللة بالشعر وترى هذه المواضع خالية منه لهذا السبب بعينه فتأمل الخلقة كيف تتحرز (٢) وجوه الخطإ والمضرة وتأتي بالصواب والمنفعة.
( شعر الركب والإبطين )
إن المنانية (٣) وأشباههم حين أجهدوا في عيب الخلقة والعمد (٤) عابوا الشعر النابت على الركب والإبطين ولم يعلموا أن ذلك من رطوبة تنصب إلى هذه المواضع فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب في مستنفع المياه أفلا ترى إلى هذه المواضع أستر وأهيأ لقبول تلك الفضلة من غيرها؟ ..
__________________
(١) تنكب عنه : عدل عنه وتجنبه.
(٢) احترز منه وتحرز أي تحفظه وتوقاه كأنّه جعل نفسه في حرز منه
(٣) المنانية او المانوية سبق الكلام عنها في اوائل الكتاب.
(٤) يقال فعله عمدا وعن عمد أي قصدا لا عن طريق الصدفة.