( خلق الإنسان وتدبير الجنين في الرحم )
نبدأ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب ( فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ) ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة (١) حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه الماء والنبات فلا يزال ذلك غذاؤه
( كيفية ولادة الجنين وغذائه وطلوع أسنانه وبلوغه )
حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه (٢) على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق (٣) بأمه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد فإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثديها وانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ (٤) وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثدي أمه كالإداوتين (٥) المعلقتين لحاجته فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء لين الأعضاء ـ
__________________
(١) المشيمة : غشاء ولد الإنسان يخرج معه عند الولادة ، جمعه مشيم ومشايم.
(٢) الاديم : الجلد المدبوغ.
(٣) الطلق « بسكون الثاني » وجع الولادة.
(٤) تلمظ : إذا أخرج لسانه فمسح به شفتيه.
(٥) الاداوة : ـ بكسر ففتح ـ إناء صغير من جلد يتخذ للماء ، جمعه أداوى.