يأخذ طريقه إلى قلبه ، بل ازداد اصرارا على المضي في طريق ذات الشوكة حتى نهاية الشوط ، إذ وقف صامدا صمودا اسطوريا ، وقف كالطود الشامخ لم تزعزعه الخطوب ، ومشى بخطى ثابتة على درب واضح المعالم.
يقول حميد بن مسلم : « فواللّه ما رأيتُ مكثورا (١) قطّ قد قُتل ولدُه وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه عليهالسلام ، إنْ كانت الرّجّالة لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المِعزى إذا شدَّ فيها الذِّئب » (٢).
وإن كان هذا يدلُّ على شيء ، فهو يشير إلى أن إشارات الغيب زادته قوّةً وصلابةً ، ومنحته شحنات معنوية عالية.
وهناك مواقف أخرى أفصح الإمام عليهالسلام فيها عن مكنون الغيب ، وقد اطلع أصحابه وأهل بيته عن ذلك بمنتهى الوضوح والصراحة ، فمن المعلوم أنه خاطب بني هاشم قبل خروجه بقوله : « أما بعد ، فإنّه من لحق بي منكم استُشهد ، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح » (٣).
والأمر الآخر هنا الذي يثير الاستغراب والدهشة ، ويكشف النقاب عن حقيقة اطلاع الحسين عليهالسلام على معالم الغيب ، أنه كشف في حياته عن ملامح ومواصفات قاتله ، فعن محمّد بن عمرو بن حسين ، قال : « كنا مع الحسين بنهر كربلاء فنظر إلى شمر بن الجوشن ، فقال : صدق اللّه ورسوله!
__________________
(١) المكثور : الذي أحاط به الكثير. انظر : الإرشاد ٢ : ١١١ ، هامش ٢.
(٢) الإرشاد ٢ : ١١١.
(٣) اللهوف : ٤١.