الأمّة ، وإن تردهم في فتنة ، فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك ، فإن فعلته فهو قربة إلى اللّه عزّ وجل ، وإن تركته فأستغفر اللّه لذنبي ، وأسأله توفيقي لإرشاد أموري ، وقلت فيما تقول إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني ، وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين ، منذ خلقت؟! فكدني ما بدا لك إن شئت ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك ، وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا » (١).
هذه بعض الفقرات من كتاب الحسين عليهالسلام إلى معاوية ، وهو بمثابة وثيقة تاريخية خالدة تكشف عن حقيقة معاوية وطبيعة حكمه الفاسد الجائر. كما تُثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن الحسين عليهالسلام كسر قاعدة الصمت التي فرضها معاوية على المسلمين ، بعد أن انتقلت الأمور إلى مستوى خطير لم يعد ممكنا السكوت عليه.
ومن مصاديق عدم سكوت الإمام على انحرافات معاوية ، أنه عليهالسلام عقد في مكة مؤتمرا سياسيا عاما دعا فيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والانصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين ، فانبرى عليهالسلام
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٢٠ ـ ٢١.