وهذا صحابي آخر هو عمرو بن قرظة الأنصاري قد بالغ في نصرة الحسين عليهالسلام وكان لا يأتي إلى قائده سهم إلاّ اتقاه بيده ، ولا سيف إلاّ تلقّاه بمهجته ، فلم يصل إلى الحسين عليهالسلام سوء حتى اُثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين عليهالسلام وقال : يا ابن رسول اللّه أوفيت؟ فقال عليهالسلام : « نعم أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول اللّه عني السلام ، وأعلمه أني في الأثر » (١).
بهؤلاء الأبطال تمكن الحسين عليهالسلام من إفشال خطة الاغتيال التي كانت تستهدف تصفيته وهو منكب على الصلاة.
لم تقتصر صلاة الحسين عليهالسلام على الصلاة المعروفة بزمن محدد وشرائط مقرّرة ، والمشتملة على الركوع والسجود وما إلى ذلك ، بل كانت له صلاة خاصة ـ إن صحَّ التعبير ـ تستغرق جلّ وقته ، ويسهم فيها كل كيانه ، وهي مناجاته الدائمة والمستمرة لربّه ، التي لم تنقطع في الرّخاء والشدة. فقبل خروج آخر أنفاسه الزّكية من بدنه الطاهر ، جمع التراب ووضع جبهته عليه ، واستغرق في مناجاة ربّه ، ولم يشغله ألم الجراح ولا نزع الروح عن الكلام مع معبوده الذي يخاطبه ولا يغفل لحظة واحدة عن التطلّع إليه ، يناجيه وهو قرير العين ، مطمئن النفس بكلمات تفيض بالمعاني السامية : « اللّهم أنت ثقتي في كلّ كربٍ ، ورجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقةٌ وعدّة ، كم من همٍّ يضعُفُ فيه الفؤاد ، وتقلُّ فيه الحيلةُ ،
__________________
(١) اللهوف : ٦٤.