وليد الملاك الاهم وهو مفسدة الخمر.
وينبغي الالتفات الى ان الحكم الواقعي باباحة الخل تارة ينشأ من وجود مصلحة في شرب الخل ـ كمصلحة التسهيل ـ تقتضي تشريع الاباحة ، وتسمى مثل هذه الاباحة بالاباحة الاقتضائية ، واخرى ينشأ من عدم وجود مفسدة في تناول الخل وعدمه ، ومثل هذه الاباحة تسمى بالاباحة غير الاقتضائية.
وحديثنا السابق كنا نفترض فيه الاباحة اباحة اقتضائية ، ففي حالة تردد الشيء بين كونه مباحا اباحة اقتضائية وبين كونه محرما (١) يقدّم الملاك الاهم ويشرّع الحكم الظاهري على طبقه ، اما اذا كانت الاباحة غير اقتضائية (٢) فالقانون الذي يشرّعه المولى لا بد وان يكون هو الحكم بحرمة كل مشكوك ، اذ الاباحة غير الاقتضائية ليس لها ملاك حتى ينشأ المولى الحكم الظاهري على طبقها بل لا بدّ من تشريع حرمة المشكوك لانحصار الملاك بذلك.
وباختصار ان الاباحة اذا لم تكن اقتضائية تعيّن كون الحكم الظاهري هو حرمة المشكوك ، واذا كانت اقتضائية ففيه احتمالان : حرمة كل مشكوك فيما لو كانت المفسدة هي الاهم ، واباحة كل مشكوك فيما لو كانت الاباحة هي الاهم.
هذا حصيلة ما افاده قدسسره ، وهو يصور لنا فيه حقيقة الحكم الظاهري وانه حكم وليد الملاك الاهم ويصور لنا ان مبادىء الحكم الظاهري هي عين مبادىء الحكم الواقعي الامر الذي يضفي على الحكم الواقعي والظاهري كمال الالفة ، والى كل هذا نلمس في الجواب المذكور تطابقه والذوق العقلائي ، فكثيرا
__________________
(١) من الطبيعي الحرمة لا تكون الاّ اقتضائية ناشئة عن المفسدة ، وهكذا الوجوب لا يكون الاّ اقتضائيّا ناشئا عن المصلحة.
(٢) هذه الصورة هي التي تعرض لها قدسسره في كلامه اولا.