ولا يخفى على الخبير بأن مجرّد المجاورة لا يحسّن الاستعمال ، بل لا بدّ من انضمام خصوصيّات إليها ، وشرحها لا يناسب المقام ، وربّما يحسّنه مجرّد الاشتراك اللفظي كما في قوله ـ وقد أخذته حمى النوبة ـ : « وهل يبقى الأمير بغير نوبة » والنوبة بمعناها الآخر هي الطبول التي تضرب للأمراء في أوقات معيّنة من الليل والنهار ، وهذا قسم من نكات البديع ، بديع في بابه ، فائق على أترابه ، وهو من النكات العشر التي استخرجتها وسمّيتها : ( المغالطة اللفظية ) والمتأخرون من علماء البديع ذكروا جملة من أمثلتها في صناعة التورية وهي بمعزل عنها ، ولها شواهد مليحة ، ولا يناسب المقام ذكرها ، ولكن لا أملك عنان القلم عن رسم قول القائل (١) ـ في بحر المجتثّ ـ :
يا بدر أهلك جاروا |
|
وعلّموك التجرّي |
وحرّموا لك وصلي |
|
وحلّلوا لك هجري |
فليفعلوا ما يشاءوا |
|
فإنّهم أهل بدر |
وقد أحسن ما شاء وأجاد في الصنعة ، ألا تراه استعار البدر لمحبوبه أوّلا ، وجعل أهله أهل بدر ، ثم بالمغالطة اللفظية نزّل عليهم المنقول من قوله صلّى الله عليه وآله : ( يا أهل بدر افعلوا ما شئتم فقد غفر لكم ) (٢).
وربّما يحسن الاستعمال بغير هذه وتلك ، ألا ترى أنه لو أراد أحد أن يقول
__________________
(١) ونظيره قول سلطان المحقّقين خواجه نصير الملّة والدين :
ما للقياس الّذي ما زال مشتهرا |
|
للمنطقيّين في الشرطي تنديد |
أما رأوا وجه من أهوى وطرّته |
|
فالشمس طالعة والليل موجود |
فانظر أيّها الأديب كيف اعترض على المنطقيين لقولهم : كلّما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، إذ لو كان المراد بالشمس الوجه ، وبالليل الطرة فهل يكون ذلك اعتراضا عليهم كيف وهم لم يقصدوا في قولهم إلاّ الشمس الواقعية والنهار كذلك. ( ابن المصنف مجد الدين ).
(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٩٤١ ـ ٢٤٩٤ ، كنز العمال ١٤ : ٦٩ ـ ٣٧٩٥٧ و ٣٧٩٥٨ باختلاف يسير.