الّذي يحكم الشرع والعقل بامتناعه هو نسبة المجيء إليه سبحانه بالإرادة الجدّية لا الاستعمالية ، ولهذا لو ذكر هذا المحذوف وقيل : جاء أمر ربك ، فقد من الكلام جانب من حسنه ، ولم يناسب عطف الملك (١) عليه.
والظاهر أن أكثر الألفاظ التي ورد في الشرع إطلاقها عليه تعالى ممّا لا يليق بمقدّس ذاته من هذا القبيل ، وما وقعت المجسّمة والمشبّهة فيما وقعوا فيه ، إلاّ لجهلهم بالفرق بين الإرادتين.
وكذلك سؤال القرية فإنّ سؤال الجماد محال واقعا لا استعمالا ، ولا زالت العرب تخاطب الربوع (٢) والديار ، وتكثر من سؤال الأطلال (٣) والآثار وهي قفر ليس فيها ديار ، والقرآن الكريم نزل على محاورات العرب ، فإذا كان هذا دأبهم في موارد لا يمكن فيها تقدير الإرادة الجدّية والسؤال الحقيقي ، فكيف في هذه الآية وما يجري مجراها ، والقرية مأهولة عامرة! نعم في مثل جرى النهر والميزاب يحتمل كلّ من الحذف والاستعمال على هذا النمط ، والثاني هو الأولى ، وأما احتمال المجاز في الكلمة بأن يكون المراد من النهر والميزاب الماء بعلاقة الحالّ والمحلّ فقبيح لا يقبله الذوق الصحيح.
هذا ، والوجه في عدّ هذا الباب من أقسام المجاز لا يخلو عن خفاء ، إذ ليس فيه استعمال في غير ما وضع له لأنّ المفروض في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ )(٤) أنّ المفردات مستعملة في معانيها ، وإلاّ كان المجاز في المفرد ، وكذلك المركّب ـ على القول بالوضع له ـ وإلاّ كان المجاز فيه ، وهكذا النسبة وإلاّ كان المجاز فيها ، فإذن لا فرق بينه وبين سائر الكلام إلاّ حذف بعض ألفاظ الجملة ،
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) الفجر : ٢٢.
(٢) الربوع جمع الرّبع : الدار بعينها حيث كانت. الصحاح ٣ : ١٢١١ ( ربع ).
(٣) أطلال جمع طلل : ما شخص من آثار الدار. الصحاح ٥ : ١٧٥٢ ( طلل ).
(٤) يوسف : ٨٢.