إيجاد المدلول بنفس الدالّ عليه كما يظهر بالتأمل ، وهذا المحذور أعني اتّحاد الدالّ والمدلول لا يختص بهذا القسم ، بل يعم الأقسام الثلاثة ، ولا مناص عنه إلاّ بما قلناه من أنّ ذلك ليس من باب الاستعمال ، ولقد ألمّ به هذا الأستاذ في قوله ـ بعد العبارة المتقدم نقلها ـ :
« مع أنّ حديث تركّب القضية من جزءين ـ لو لا اعتبار الدلالة في البين ـ إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه وإلاّ كان أجزاؤها الثلاثة تامة ، وكان المحمول [ فيها ] (١) منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه ، غاية الأمر أنه نفس الموضوع لا الحاكي عنه ، فافهم فإنه لا يخلو عن دقّة ».
« وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ بشيء ، بل يمكن أن يقال : إنه ليس أيضا من هذا الباب ما إذا أطلق اللفظ وأريد به نوعه أو صنفه ، فإنه فرده ومصداقه حقيقة ، لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى ، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجا قد أحضر في ذهنه بلا وساطة حاك ، وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة أصلا ، لا لفظه ، كما لا يخفى ، فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى ، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلّي اللفظ لا بما هو خصوص جزئيّة » (٢). انتهى.
ولقد أحسن كلّ الإحسان ، وليته قطع عليه ولم يذكر بعده ما يوهم إمكان الاستعمال على هذا النحو ، ولم يقل قبل هذا البحث : « إنّ صحة استعمال اللفظ في نوعه أو في مثله بالطبع » (٣).
وبالجملة ، فكلّ من لفظي ( زيد ) و ( ضرب ) في قولك : زيد ثلاثي ، وضرب فعل ماض ، موضوع محكوم عليه بلا احتياج إلى كاشف عنه لظهوره كالمرآة
__________________
(١) الزيادة من المصدر.
(٢) كفاية الأصول : ١٥.
(٣) كفاية الأصول : ١٤.